بقايا كعبة ابرهة الحبشي في صنعاء القديمة 1942 م
"كعبة أبرهة الحبشي" من معلم أثري ديني إلى مصب للنفايات
صنعاء- في الحي الشرقي من مدينة صنعاء القديمة وبالقرب من السوق العثماني المعروف بـ”سوق الملح”، يقع المعلم التاريخي المعروف بـ “القليس”، وهو المبنى الذي بناه أبرهة الحبشي الأشرم، وأطلق عليه اسم “الكعبة”، وتحول إلى مجمع لمياه الأمطار.
و”القليس” هو المكان الذي بنا فيه أبرهة الحبشي ما أسماه بـ”الكعبة” التي أراد صرف العرب إليها بديلاً عن الكعبة المشرفة في مكة خلال فترة الاحتلال الحبشي لليمن في القرن السادس ميلادي.
وبنظرة إلى موقع القليس، فإنه لم يتبق شيء من آثار “كعبة أبرهة” إلا “الغرقة” أي الغرفة التي يقول المؤرخون إنها مكان الكنيسة التي بناها أبرهة أو ما أطلق عليها “الكعبة”، أما “القليس” فقد أتت تسميتها من اللغة الحبشية من كلمة “قليص” بمعنى “المعبد”، حيث بنيت “القليس” في مكان معبد حميري (نسبة إلى دولة حمير القديمة) قديم ليس هناك تفاصيل عن تاريخه بعد أن حلت “كعبة أبرهة” محله.
وبحسب المؤرخ اليمني والباحث في التاريخ الإسلامي علي بن جار الله بن الذيب، فقد كان ارتفاع الكنيسة “كعبة أبرهة” 30 متراً وعرضها 20 متراً، وبناها أبرهة في أحسن هيئة وأجمل عمارة.
وأضاف جار الله أن “اليمنيين عندما رأوا أن أبرهة الحبشي أراد بكعبته صرف العرب عن الحج للكعبة المشرفة قاموا بتلطيخ القليس بالقاذورات، الأمر الذي حدا به إلى غزو الكعبة بغرض هدمها”.
وأشار إلى أن “أول عملية هدم تعرضت لها القليس كانت في بداية حكم الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الذي حكم الدولة الإسلامية في القرن الثامن ميلادي، ثم تعرضت للتدمير الكلي في عهد حكم أئمة الشيعة في القرن الثالث هجري”، دون ذكر من قام بتلك المحاولات.
وتابع الباحث اليمني أن “القليس أصبحت في الوقت الحالي مجمعا للسيول، حيث تتجمع الأمطار عبر مجاري أرضية ومن الشوارع القريبة إلى الحفرة التي أصبحت تسمى “غرقة القليس”، ثم يتم تصريف المياه عبر مجاري خاصة تحت الأرض إلى خارج مدينة صنعاء القديمة”.
ورغم عدم وجود أثر واضح للكنيسة القديمة، ومع الإهمال الكبير من قبل السلطات المحلية وتحول المكان إلى ما يشبه مكب القمامة لسكان مدينة صنعاء القديمة، إلا أن “غرقة القليس” لا تزال تحظى بعدد كبير من الزوار من غير سكان صنعاء، وذلك للعلاقة التاريخية والدينية التي ارتبط بها المكان والكنيسة في تاريخ العرب والمسلمين.
وقامت الحكومة اليمنية في فترة السبعينيات بعملية ترميم جزئية للمكان، حيث أحاطت موقع الكنيسة بجدار من الأحجار وفوقه شبك حديدي يسمح للزوار بالرؤية من خلاله.
وتذكر روايات تاريخية أن “القليس” كانت بطول 60 ذراعا إلى السماء ويصعد إليها بدرج من رخام، وكانت حجارتها مثلثة الشكل متداخلة ببعضها البعض ملونة بالأخضر والأبيض والأصفر من الذهب والفضة والأحجار الثمينة، ويوجد فيها سردابان تحت الأرض بطول 5 كيلومترات، حيرا علماء الآثار، فعند هطول الإمطار تمتلئ الحفرة بالماء كليا وما أن تمر بعض السويعات حتى يختفي الماء نهائيا وظل سر اختفاء الماء غامضا لفترة طويلة إلى أن اكتشف أهل حارة القليس وجود بابين صغيرين لسردابين كبيرين يقعان تحت الأرض، وبقي السردابان على وضعهما الحالي دون معرفة سر وجودهما، ولكن لم يبق شيء من هذه التفاصيل في موقعها اليوم بعد التدمير المقصود التي تعرضت له الكعبة.
وبقي هذا الموقع الأثري يعاني الإهمال رغم أنه لا يقل أهمية عن بقية المعالم الأثرية الدينية والكنائس الموجودة باليمن، فكنيسة القليس تعتبر إضافة حضارية إلى رصيد فن العمارة اليمنية ويرى المؤرخون أنها تعد من الروائع التاريخية التي تفنن فيها الإنسان، ووصفوها بأنها كانت تتميز بتصميم هندسي فريد فهي تضم فناء واسعا محاطا بفضاء فسيح للتنزه، وأنشئ مدخل الكنيسة من الجانب الغربي وطليت أبوابها بالذهب والفضة وكان عقدها من الداخل يرتكز على أعمدة من الخشب الثمين المزين بالرسوم وبمسامير من الذهب والفضة، وكانت لها قبة بقطر يبلغ حوالي 20 متراً وفي مركز القبة لوحة من الرخام البراق تسمح بمرور الضوء وكان البلاط المستخدم من المرمر الملون وأمام الهياكل والمذابح المقدسة أبواب مموهة بالذهب ومرصعة بالأحجار الكريمة.
ويرجح المؤرخون أنها عمرت حوالي 200 سنة من تاريخ بنائها ثم هدمت عام 775 ميلاديا، ونهبت أغلب محتوياتها الثمينة وبقيت آثارها غير الثمينة في مكانها فترة طويلة ثم بدأ الناس البناء في مساحتها وأخذوا أحجارها ولم يبق شيء منها ومن آثارها سوى الروايات التاريخية.