أكل لحم القطط والأموات
وأدّت السياسة التي انتهجها فخري إلى دخول مدينة النبي في مأساة جماعية لم تستثن أحداً، إلى حدّ دفع المتخصص في التاريخ العثماني سلطان الأصقة يقول إنها ترقى إلى "جريمة حرب، ولا فرق بينها وما وقع للأرمن"، لولا أنّ العرب ليسوا بمثل تنظيمهم، وإلا فإنها جريمة يجب أن لا تسقط بالتقادم.
ويروي الصحافي السعودي علي حافظ، كيف أن قسوة الأوضاع وصلت إلى أن "أكل البعض القطط والكلاب وجثث الموتى وهم لا يعرفونها، باعها عليهم بعض المجرمين الذين لا يخافون الله، واشتراها من لا يعرفها من الجوع الذي عمّ البلد".
وروى الضابط ناجي كجمان، في مذكراته، وهو كان من الجند العثماني في المدينة، أنهم في أواخر أيامهم تلقوا "نبأ واقعة غريبة، وهي أن رجلاً من قبيلة قدمت من الحبشة، وكانت تسكن في أكواخ من الصفيح على أطراف المدينة، أخرج جثة امرأة دُفنت لتوها، وقطع أفخاذها وأذرعها ووضعها في كيس، ثم ذهب إلى السوق فباعها، وبينما هو قادم إلى كوخه قبضت عليه الدوريات، واعترف في التحقيقات التي أجريت معه أنه اضطر إلى ذلك، وأنه باعها في السوق بعد أن طبخها في قدر. لقد وصلت المجاعة إلى هذا الحدث، وبدأت القطط والكلاب التي في الشوارع تختفي واحدة تلو الأخرى".
فخري باشا، وكيل العثمانيين في المدينة، لم يكتفِ بالخراب والجرائم التي ارتكبها جنوده في حق ساكني المدينة المقدسة، لكن أضاف إليها العدوان على الحرم النبوي الشريف، وجعله مستودعاً للذخيرة ومعسكراً للمقاتلين، كما أن حجراته، حيث مرقد النبي عليه السلام نهب هداياها، وأرسل جزءاً منها إلى إسطنبول، والجزء الآخر فرّقه على هيئة رواتب شهرية وهبات على جنوده، بينما تثبت الوثائق التي نشرتها "اندبندنت عربية" في وقت سابق، وكان بعضها من مصادر العثمانيين أنفسهم، ولم يعترض أحدٌ على صدقيتها، إذ لا تزال إسطنبول تعرض بعض تلك المقتنيات في خزائنها، وتصفها بـ"الأمانات المقدسة".
سجال مع أردوغان
وكانت فعلة العدوان على الحجرات النبوية والتهديد بتفجير القبة الشريفة أو نقل الجسد النبوي إلى إسطنبول، لم تزل تثير حتى يومنا هذا غضبة عديد من العرب، إلا أنّ الأتراك الذين يصنفهم البعض بـ"العثمانيين الجدد"، لا يتقبلون أي تناول لفخري باشا وتاريخه في المدينة المنورة إلا على وجه التبجيل. وهذا ما أثار السجال بين الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان وكاتب عربي، تساءل "هل تعلمون في عام 1916 قام التركي فخري باشا بجريمة بحق أهل المدينة النبوية فسرق أموالهم وخطفهم وأركبهم في قطارات إلى الشام وإسطنبول برحلة سُميت (سفر برلك) كما سرق الأتراك أغلب مخطوطات المكتبة المحمودية بالمدينة، وأرسلوها إلى تركيا؟ هؤلاء أجداد أردوغان وتاريخهم مع المسلمين العرب".
إلا أنّ هذا التساؤل الذي لم يكن غير إحالة إلى ما تتضمنه كتب التاريخ عن جريمة "سفر برلك"، استفزّ أردوغان، وردّ على ذلك بتهديد الكاتب بملاحقته قانونياً وسط ترحيب من قناة "الجزيرة" القطرية، مؤكداً "إن لم ندرك جيداً حقيقة فخري الدين باشا ودفاعه عن المدينة المنورة، يخرج علينا من لا يعرف حدوده، ويتطاول على أجداد أردوغان، ويعاديهم إلى حدّ اتهامهم بالسرقة".
أكل لحم القطط والأموات
وأدّت السياسة التي انتهجها فخري إلى دخول مدينة النبي في مأساة جماعية لم تستثن أحداً، إلى حدّ دفع المتخصص في التاريخ العثماني سلطان الأصقة يقول إنها ترقى إلى "جريمة حرب، ولا فرق بينها وما وقع للأرمن"، لولا أنّ العرب ليسوا بمثل تنظيمهم، وإلا فإنها جريمة يجب أن لا تسقط بالتقادم.
ويروي الصحافي السعودي علي حافظ، كيف أن قسوة الأوضاع وصلت إلى أن "أكل البعض القطط والكلاب وجثث الموتى وهم لا يعرفونها، باعها عليهم بعض المجرمين الذين لا يخافون الله، واشتراها من لا يعرفها من الجوع الذي عمّ البلد".
وروى الضابط ناجي كجمان، في مذكراته، وهو كان من الجند العثماني في المدينة، أنهم في أواخر أيامهم تلقوا "نبأ واقعة غريبة، وهي أن رجلاً من قبيلة قدمت من الحبشة، وكانت تسكن في أكواخ من الصفيح على أطراف المدينة، أخرج جثة امرأة دُفنت لتوها، وقطع أفخاذها وأذرعها ووضعها في كيس، ثم ذهب إلى السوق فباعها، وبينما هو قادم إلى كوخه قبضت عليه الدوريات، واعترف في التحقيقات التي أجريت معه أنه اضطر إلى ذلك، وأنه باعها في السوق بعد أن طبخها في قدر. لقد وصلت المجاعة إلى هذا الحدث، وبدأت القطط والكلاب التي في الشوارع تختفي واحدة تلو الأخرى".
فخري باشا، وكيل العثمانيين في المدينة، لم يكتفِ بالخراب والجرائم التي ارتكبها جنوده في حق ساكني المدينة المقدسة، لكن أضاف إليها العدوان على الحرم النبوي الشريف، وجعله مستودعاً للذخيرة ومعسكراً للمقاتلين، كما أن حجراته، حيث مرقد النبي عليه السلام نهب هداياها، وأرسل جزءاً منها إلى إسطنبول، والجزء الآخر فرّقه على هيئة رواتب شهرية وهبات على جنوده، بينما تثبت الوثائق التي نشرتها "اندبندنت عربية" في وقت سابق، وكان بعضها من مصادر العثمانيين أنفسهم، ولم يعترض أحدٌ على صدقيتها، إذ لا تزال إسطنبول تعرض بعض تلك المقتنيات في خزائنها، وتصفها بـ"الأمانات المقدسة".
سجال مع أردوغان
وكانت فعلة العدوان على الحجرات النبوية والتهديد بتفجير القبة الشريفة أو نقل الجسد النبوي إلى إسطنبول، لم تزل تثير حتى يومنا هذا غضبة عديد من العرب، إلا أنّ الأتراك الذين يصنفهم البعض بـ"العثمانيين الجدد"، لا يتقبلون أي تناول لفخري باشا وتاريخه في المدينة المنورة إلا على وجه التبجيل. وهذا ما أثار السجال بين الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان وكاتب عربي، تساءل "هل تعلمون في عام 1916 قام التركي فخري باشا بجريمة بحق أهل المدينة النبوية فسرق أموالهم وخطفهم وأركبهم في قطارات إلى الشام وإسطنبول برحلة سُميت (سفر برلك) كما سرق الأتراك أغلب مخطوطات المكتبة المحمودية بالمدينة، وأرسلوها إلى تركيا؟ هؤلاء أجداد أردوغان وتاريخهم مع المسلمين العرب".
إلا أنّ هذا التساؤل الذي لم يكن غير إحالة إلى ما تتضمنه كتب التاريخ عن جريمة "سفر برلك"، استفزّ أردوغان، وردّ على ذلك بتهديد الكاتب بملاحقته قانونياً وسط ترحيب من قناة "الجزيرة" القطرية، مؤكداً "إن لم ندرك جيداً حقيقة فخري الدين باشا ودفاعه عن المدينة المنورة، يخرج علينا من لا يعرف حدوده، ويتطاول على أجداد أردوغان، ويعاديهم إلى حدّ اتهامهم بالسرقة".
دار جداول السعودية، تناولت في اصدار جديد جرائم العثمانيين في المنطقة العربية. (جداول)
وفي اتصالٍ مع الناشط العربي، علي العراقي، المقيم في ألمانيا الذي كان مثير الجدل المذكور، يروي لـ"اندبندنت عربية" أن احتقار العرب ظل سمة للقادة العثمانيين حتى اليوم، وأن بين ما يفسِّر ذلك شعورهم بالنقص أمام العرب بوصفهم أمة النبي محمد وأهل الحرمين الشريفين والخلافة التي يتطاولون عليها، ويفعلون باسمها الأفاعيل. ولذلك حاولوا طمس كل مجد للعرب حين تولوا الحكم، ولم يقيموا أي بنيان أو مؤسسات ذات قيمة في موئل العرب الأصيل، الجزيرة العربية، ولم يكن الحرمان استثناءً، فأهملوهما أشد الإهمال، حتى إنّ القطار الذي يذكر على أنه من مآثرهم، لم يعبّدوا طريقه إلا في آخر أيامهم، وبأموال التبرعات من العرب والمسلمين.
كانوا "داعش" ذلك الزمان
وقال "يعلمون أن التعلق بالزمن القديم وتحديداً الدولة العثمانية قد يصنع لهم شعبية في الوطن العربي الكبير، لذلك يلمِّعون تاريخ تلك الدولة البائدة بأفلام ومسلسلات عالية الدقة والجودة، والأكثر من ذلك هم سخّروا فضائيات ورجال دين عرباً مع الأسف يمجّدون تلك الحقبة، وهذا أسلوب يتّبعه العدو بما يسمّى بـ(الحرب الباردة). ولطالما وجد أردوغان مجالاً للطعن بالعرب فيستحيل أن يتركه من دون استغلاله، ومهاجمة العرب وتحديداً الدول التي وقفت وما زالت واقفة ضد مشروعه الخبيث. لذلك لا نستغرب من استفزازه بتغريدة".
وحول ما إذا كان للعثمانيين تأويل غير شائع لأسلوبهم في التعامل مع البلدان العربية التي يحتلون، يعتقد أنه "لا تختلف أفعال الدولة العثمانية بالقتال عن أسلوب (داعش) أبداً، فقد امتازوا بالتمثيل بالجثث وقطع الرؤوس وتعليقها لإرهاب من يقف ضدهم، وأكبر خطأ تاريخي أن تُوصف هذه الدولة المجرمة بالخلافة! خلافة مَنْ؟ وكيف؟ وبأي حق تُوصف بالخلافة والقانون بتلك الدولة كان مبنياً على الخيانة وقتل الأب وتسميم الابن؟ لم يقوموا أبداً بتوحيد المسلمين، بل على العكس ضاع كثيرٌ من بلاد المسلمين، مثل الأندلس والجزائر، وكانت الدولة العثمانية في أوج قوتها".
دفتر بحصر المكتبات المنهوبة من نجد. (وثائق مآل المخطوطات النجدية)
الجرائم في حق "المعرفة"
كما يتداول العرب جناية التتار الوثنيين على إرثهم الثقافي لدى غزوهم بغداد، يذكرون بأسى أفعال العثمانيين في حق النفائس العلمية لدى اقتحامهم مدناً، مثل الدرعية والمدينة المنورة.
ويروي الباحث السعودي حمد بن عبد الله العنقري، أن الخطوة الأخيرة لجيش إبراهيم باشا وصوله إلى الدرعية التي بدأ حصارها 1818، وبعد مُضي أكثر من ستة أشهر اضطر الإمام عبد الله بن سعود إلى طلب الصلح من باشا، وكان من شروطه "المحافظة على الدرعية وأهلها، وعدم هدمها". إلا أن المبعوث التركي مثل سائر من قبله وبعده لم يفِ بوعده، إذ لم ينج من تخريبه حتى الكتب والمكتبات ودور التعليم.
ويضيف، أن الآثار المباشرة للحملة طالت كل المناطق التي مرّت بها، إذ "صاحبها نهبٌ وتدميرٌ لجميع الممتلكات، مثل المنازل والقصور والأمتعة، والكتب والزروع والحيوانات، فدمِّرت البيوت وأُحرقت المزارع، وقطّعت النخيل في الدرعية، بل إن السرعة والرغبة في التدمير دفعا الحملة إلى هدم بعض الدور والمنازل وأهلها مقيمون فيها، ومن ثمّ إشعال النار فيها".
ويوثق نقلاً عن المؤرخ ابن بشر أنّ الحملة حرقت في حريملاء (شمالي الرياض) بعض الكتب في مكتبة الشيخ عبد العزيز بن سليمان بن عبد الوهاب وصادرت بعضها الآخر، ليتبيّن في ما بعد أن الحملة من بين أهدافها "نقل المخطوطات النجدية إلى خارجها"، وذلك لتحقيق أهداف عدّة أهمها حسب الباحث الذي استقصى بحياد "مآل المخطوطات النجدية" في ظل تلك الحملة، كان "حجب مصدر التلقي الرئيس للعلم المتمثل في تلك المخطوطات لما تمثله من رافدٍ مهمٍ للعلماء وطلبة العلم، ما أدى إلى حرص تلك القوات على جمعها بعد قضائها على بعض علماء نجد بالقتل أو الترحيل إلى مصر". وهم علماء عائلة آل الشيخ والمقربين منهم ومن عائلة آل سعود الحاكمة، بوصف الحملة قصدت استئصال تأثير العائلتين في الإقليم نهائياً.
ويؤكد الباحث العنقري أنه بعد الاستقصاء يمكن تصنيف المخطوطات التي جُمِعت وصودرت من نجد إلى مجموعتين: مجموعة إبراهيم باشا، التي جمعها قبل رحيله من نجد، وأمر بنقلها معه إلى المدينة المنورة بطلب من أبيه، ومجموعة حسين بك، وهي التي جمعها قائد الحملة الجديدة الذي عرف بالقسوة والشدة في أثناء إقامته في نجد، إذ استطاعت هذه الحملة جمع 342 كتاباً، وغالبيتها من مكتبة الشيخ عبد العزيز بن حمد بن مشرف، ومن الكتب التي قام قاضي الحملة محمد أمين زاده بأخذها من مكتبة الشيخ عبد العزيز بن سليمان بن عبد الوهاب، حيث صادر معظمها، وأشعل النيران في ما تبقى منها، ووصف ابن بشر هذه المكتبة بأنها مكتبة عظيمة. ومجموع هذه الكتب في المجموعتين 872 مجلداً، وبالمصاحف وأجزاء المصاحف 992 مصحفاً وجزءاً وكتاباً.
وتشير الوثائق العثمانية، التي وثقت مصادرة تلك الكتب، إلى أن "الباب العالي صدرت توجيهاته بالموافقة على وضع الكتب التي أتى بها إبراهيم باشا في أثناء عودته من الدرعية في مكتبة المدرسة المحمودية (الكتبخانة السلطانية) وإرسال كشف بأسمائها".
نهب نفائس مكتبات المدينة
كان ذلك في عهد حملة إبراهيم باشا في الدرعية، وبعدها بنحو 100 عام، عندما يئس فخري باشا من فرض حكم العثمانيين في المدينة المنورة، كان بين أهم النفائس التي صارت غير موجودة بالحجرة النبوية، نفائس المخطوطات التي تضمنتها مكتبتا "عارف حكمت، والمحمودية" في المدينة المنورة.
وتوثّق مجلة المنهل السعودية قبل 60 عاماً، كيف أنّ "اختيار فخري باشا للمكتبتين من دون سائر المكتبات لأنهما أكبر مكتبتين في المدينة، ولصلتهما بالنسبة التركية"، ولم ينقل فخري كل ما في المكتبتين، إنما اكتفى بالمخطوطات فقط، وترك المطبوعات في المدينة.
ويروي بن طوله أنّ المخطوطات المنهوبة، حُمِلت إلى سكة الحديد بغرض الوصول بها إلى إسطنبول، لكن الحرب كان قد حَمِي وطيسها فسار بها القطار وتوقف في دمشق، حيث أُنزلت ونُقِلت إلى مسجد التكية السليمانية، ووضعت في عددٍ من الغرف الملحقة به والمخصصة لطلاب العلم. ثمّ إن الشريف فيصل بن الحسين أعادها معه إلى المدينة المنورة عام 1337 هـ بعد انتهاء الحرب وجلاء الترك ودخول فيصل مدينة دمشق.
ومثلما كان يخشى الناقدون للعثمانيين على العبث بكنوز التراث، فقد تعرَّضت المكتبتان لإهمال، دفع إلى فقد نحو 87 كتاباً من مكتبة عارف في مجموع المراحل التي أعقبت عدوان الأتراك عليها. بينما تعرّضت أجزاء مهمة من مكتبة المحمودية إلى التلف، إذ فاض عليها نهر "بردى" في أثناء وجودها في دمشق، وأصاب جزءاً من محتوياتها، قبل أن تعود هي الأخرى إلى المدينة المنورة.
وجهة النظر العثمانية والتركية
تختلف مبررات العثمانيين في حملاتهم على الجزيرة العربية، فالأولى التي كانت بداية القرن التاسع عشر، وتركّزت على إسقاط الدولة السعودية الأولى بعد تمددها نحو الحجاز حيث مكة والمدينة، برروها بتوحيد أجزاء الدولة الإسلامية حسب زعمهم، خصوصاً أنّ السعوديين سيطروا على المدينتين المقدستين، وأثار ذلك مخاوف العثمانيين بنزع الشرعية عنهم، كما سبقت الإشارة، فلا معنى لخليفة لا يحكم الحرمين الشريفين، كما يخشى السلطان من أن تحذو بقية المناطق العربية حذو السعوديين، لتبقى مجردة من الشام والعراق وحتى مصر التي كلّف واليها محمد علي باشا بالحملة من جانب الأستانة.
أمَّا الحملة الثانية التي قادها فخري باشا، فجاءت في سياق الحرب العالمية الأولى التي استغلّ شريف مكة أحداثها، للاصطفاف مع الحلفاء للتخلص من الأتراك، الذين نفد الصبر معهم، إذ كانوا يتهمون الشريف الحسين بأنه كان "يميل إلى جانب الإنجليز، ويقيم علاقات سرية معهم، حتى قبل الحرب العالمية الأولى".
ويذكر السلطان عبد الحميد، في المذكرات المنسوبة إليه، أنّ فكرة إنشاء الدولة العربية كانت موجودة في وقته، وأنها كانت خطة مقترحة من الإنجليز وجمال الدين الأفغاني، ويقول "وقعت في يدي خطة أعدّها في وزارة الخارجية الإنجليزية مهرج اسمه جمال الدين الأفغاني وإنجليزي يدعى بلنت قال فيها بإقصاء الخلافة عن الأتراك. واقترحا على الإنجليز إعلان الشريف حسين أمير مكة خليفة على المسلمين".
وهكذا، فإنّ العثمانيين لا يرون أي حق للعرب بالتفكير في تقرير مصيرهم، وعليه فإنهم يرون قمع أي كيان يؤسسونه مشروعاً، مهما طبع ذلك من عنف وخروج عن أخلاق الإسلام.
أطماع الأمس هي أطماع اليوم
لكن، الأتراك بعد عصر دولتهم الوطنية التي أنشأها أتاتورك تركوا العرب وشأنهم، إلا أن الاستقطاب السياسي في المنطقة ووصول حزب العدالة الإسلامي إلى الحكم في تركيا، أعاد التدخل القديم نفَسه مجدداً، حسب ما يرى الباحث العربي علي العراقي الذي يؤكد أن "أطماع الأتراك الحاليين استعمارية بحتة، يصرحون بها ليلاً وينفذونها نهاراً، فتركيا اليوم أصبحت حاضنة لكل من يحمل شراً للسعودية، تفتح لهم الأبواب، وتمنحهم الإقامات، بل والتجنيس والبيوت والقنوات الفضائية لمهاجمة السعودية جهاراً نهاراً، مستغلين كل حدث يحدث بها، وكأنّ لا شيء يوجد بهذه الأرض غير السعودية. شاهد إخوان مصر والخليج واليمن وسوريا، بل حتى الحوثي أصبح مقرهم العالمي تركيا، يهاجمون السعودية ويشككون بإنجازاتها، ويحرّضون عليها، تاركين بلاداً عربية مدمرة منكوبة وشعوباً مهجّرة مظلومة بالقرب منهم، ومنشغلين بالسعودية".
ليسوا ملائكة
غير أن وكالة الأناضول الرسمية في تركيا، وإن كانت لا تخجل من الدفاع عن نهج الحكم العثماني في المنطقة العربية قبل انهيار الإمبراطورية، فإنها لا ترى من الممكن تحميل العهد الجديد أخطاء الماضي إن حدثت.
وتقول "الحكم العثماني لم يكن حكماً ملائكياً، وفيه من فترات الضعف والخور والجور والظلم ما لا يستطيع أحدٌ إنكاره، كشأن عامة الممالك والإمبراطوريات، لكن مع ذلك لا يجب مسايرة الاتهامات الموجهة إلى التاريخ العثماني التي لا تنبني على أساس صحيح، والأهم من ذلك لا يسوغ استخدام قصاصات التاريخ لضرب أتراك العصر، فحتى إن كانت هناك تجاوزات للأجداد فإنه لا يُحاسب عليها الأبناء".
وثائق تاريخية تستعرض أطماع العثمانيين في الجزيرة العربية
https://www.independentarabia.com/node/108326/