راجي عفو ربه المشرف على المنتدى
عدد المساهمات : 1331 تاريخ التسجيل : 07/05/2016 العمر : 76
| موضوع: نجران وحادثة محرقة الأخدود ولكم فيها آيات الأحد 08 مايو 2016, 4:21 pm | |
| نجران وحادثة محرقة الأخدود ولكم فيها آيات
قصة محرقة الأخدود واستشهاد المؤمنين بها حدثت أحداثها في نجران جنوب المملكة العربية السعودية في بداية القرن السادس الميلادي (524 ميلادي). على الأرجح أنهم قوم آمنوا بالله العزيز الحميد، وفضلوا الشهادة وإحراقهم في الأخدود على التراجع عن إيمانهم بالله ، فاشتروا الآخرة بالأولى. قال تعالى في سورة البروج: (والسماء ذات البروج، واليوم الموعود، وشاهد ومشهود، قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد). وأهل الأخدود المشار إليهم في الآيات الكريمة كانوا يقطنون نجران، وقد أشار إلى ذلك القزويني في كتابه «آثار البلاد وأخبار العباد»، وكان ذلك أثناء حكم الدولة الحميرية، وأشير هنا إلى أنه بسبب حادثة الأخدود هذه تم القضاء على الدولة الحميرية وسقوطها، كما سيأتي بيانه لاحقاً، وقد كانت نجران عند ذاك إحدى أهم حاضرات الدولة الحميرية التي تقام بها الأسواق، قال الشاعر الجاهلي: إن تكونوا قد غبتم وحضرنا ونزلنا أرضاً بها الأشواق واضعاً في سراة نجران رحلي ناعماً غير أنني مشتاق عرفها اليونان والرومان كسوق تجاري على طريق القوافل التي تحمل عروض تجارة البخور والصموغ والتوابل والعقيق والأصباغ من اليمن بلاد العرب السعيدة وسائر مناطق الجزيرة وتعود إليها محملة بعروض فارس ومنسوجات وسيوف الشام ومنتجات الروم واليونان مارة بالحيرة ومن نجران تسلك طرقاً شتى. كما بلغ من مكانة نجران أن بني بها كعبة زارها العرب أربعين عاماً، قال فيها الأعشى: وكعبة نجران حتم عليك حتى تناخي بأبوابها نزور يزيد وعبد المسيح وقيساً هُمُ خير أربابها كما كانت تفض بها النزاعات، ومن أشهر حكامها أفعى نجران الجرهمي الذي احتكم إليه أبناء نزار، كل من مضر وربيعة وإياد وأنمار، الذين يعتبرون أجداداً لأكبر قبائل العرب الآن، والقصة معروفة وموثقة، وكذلك قس بن ساعدة الإيادي المتوفى قبيل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد امتدحه الرسول صلى الله عليه وسلم إذ كان على ما كان عليه أصحاب الأخدود من الإيمان والتوحيد وهو حكيم العرب وخطيبها، فهو أول من قال (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) التي أصبحت إحدى قواعد القضاء الإسلامي فيما بعد، كان رحمه الله من الموحدين وليس من أصحاب التثليث، وقد شهد له الرسول بذلك. وفي هذه الحقبة التاريخية المشار إليها سابقاً أثناء حكم الدولة الحميرية كان بنجران مدينة ضخمة مشيدة بالحجارة المقصبة ذات الأحجام الضخمة ومجهزة بالقلاع وأدوات الحرب وهي المدينة التي تم بها خد الأخاديد، حيث ظهر بين أهلها إذ ذاك رجل صالح يدعى «فيمنون» وكان يدين بالمسيحية الحقة التي جاء بها المسيح عليه السلام التي توحد الله عز وجل ولم يبقَ عليها إلا القليل من المسيحيين عند ذاك لكون الأغلبية قد خالفت ذلك النهج القويم وتثلثت في الشام والعراق ومصر وغيرها فأصبح ما يعتقد به الراهب «فيمنون» يخالف ما عليه القيصر ورهبان التثليث والعامة، ولذلك أصبح هو ومن على نهجه يتابعون ويخشون على أنفسهم ونهجهم، فخرج من الشام مكرهاً، وكان كلما عرف في بلد خرج منه حتى وصل إلى نجران فأقام بها، وكانت الدولة الحميرية تعتنق اليهودية، وكان البعض من أهل نجران يبعثون أولادهم إلى الساحر يعلمهم السحر وفيهم غلام اسمه عبدالله بن الثامر، فكان يمر على خيمة الرجل الصالح «فيمنون»، فأعجب بكلامه وعبادته فجعل يجلس إليه ويسمع منه ويطلع على أمور دينه وعلمه، وبدأ يعلمه أمور الدين حتى أتى إلى أسماء الله تعالى فطلبه أن يعلمه بالاسم الأعظم فامتنع وقال له إنك ستبتلى، فحاول عبدالله بن الثامر أن يعرف الاسم الأعظم بنفسه فقام بكتابة الأسماء كل اسم في لوح حتى أكملها ثم أضرم النار ثم قام برمي الألواح في النار فاحترقت الألواح إلا أحد الألواح وهو الذي كتب به الاسم الأعظم فعرفه، فروى ذلك للراهب فقال له: إنه قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك بهذا ستداوي الناس، فكان عبدالله بن الثامر يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأوباء، ويطلب مقابل ذلك الإيمان بالله، فسمع بذلك جليس الحاكم وكان قد أصيب بالعمى، فأتاه بهدايا كثيرة وقال له: إن هذه لك إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفى أحداً، وإنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك، فدخل دعوته الإيمانية فشفاه الله فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الوالي: من رد إليك بصرك؟ قال: ربي، قال: أولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على عبدالله بن الثامر فأمر بإحضاره فجيء به فقال له الحاكم: أفسدت علي أهل نجران وخالفت ديني ودين آبائي. لأمثلن بك، لقد بلغ من سحرك ما تبرئ به الأكمه والأبرص وتفعل ما تفعل! قال: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله تعالى. فأخذ يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الحاكم فقيل له: ارجع عن هذا الدين، فأبى، فوضع المنشار على مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه. ثم جيء بعبدالله بن ثامر فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه وقال اذهبوا به إلى الجبل فاصعدوا به الجبل، فاذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به وصعدوا به لقمة الجبل، فلما بلغوا ذروته دعا ربه العزيز العليم عليهم، فرجف بهم الجبل، فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك! فقال: كفانيهم الله تعالى، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قارب وعندما تتوسطون به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به وعند ذاك نادى ربه العزيز العليم، فانكفأ بهم القارب فغرقوا وجاء يمشي إلى الحاكم، فقال له: ما فعل أصحابك! فقال: كفانيهم الله تعالى. واشتهر كل ما فعله الملك به لدى أهالي وادي نجران وماحولها، وسار بذلك الركبان، فقال ابن ثامر للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به (لاحظ أيها القارئ الكريم قول ابن ثامر للملك حتى تفعل ما آمرك به. أصبح الفتى هو الذي يأمر الملك وهذا النص الذي ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم) قال: الحاكم ما هو؟! قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس وقل بسم الله رب الغلام، ثم ارمني فإنك إن فعلت ذلك قتلتني. ففعل الحاكم ذلك ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع عبدالله بن الثامر يده على صدغه في موقع السهم فمات. فقال الناس آمنّا برب الغلام ثلاث مرات. فقال للملك مستشاروه وخاصته: أرأيت ما كنت تحذر؟! قد وقع بك حذرك، قد آمن الناس! فرفع الحاكم بالأمر إلى الملك الحميري «يوسف أسار» وكان يكنى بـ«ذي نواس»، وهو يهودي وكاره للمسيحية، فجيش الجيوش إلى نجران، ولما أصر الناس على الإيمان أمر الملك بالأخدود في أفواه «الطرق» فخدت الأخاديد وأضرمت فيها النيران، وقال من لم يرجع عن ذلك الدين فارموه فيها، ففعلوا حتى جاءت امرأة مع رضيع لها فتراجعت خشية على ولدها فنطق الرضيع وقال يا أماه اصبري فإنك على الحق، فكان أحد الثلاثة الناطقين في المهد، وعند سماعها لذلك من طفلها ألقت بنفسها وبه في النار ونجوا من الضعف والتقاعس. هذه قصه الانتصار للحق وللإيمان. وقد ذكر أنه في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حفر أحد الرجال نتوءاً فعثر فيه صدفة على جثمان عبدالله بن الثامر وهو في نفس جلسته التي دفن بها وأصبعه على شجته، وأنه وجد بأصبعه خاتم منقوش عليه «ربي الله» وعلم عمر رضي الله عنه بذلك فأمر أن يتركوه على حاله وجثته في المكان المعروف الآن باسم «أبو ثامر»، وهو بجوار آثار أهل الأخدود الواقعة في مدينتهم الضخمة ومعظمها عبارة عن حجارة مقصبة ذات أحجار ضخمة، كما توجد بالمدينة نقوش وكتابات وبقايا فخار أثري وتوجد بها مجموعة من الرحى الكبيرة جداً التى تستخدم في الطحن، ومعصرة ومهواة وبئر مثمن الأضلاع مبني من الحجارة الضخمة. وقد نجا البعض من هذه المحرقة البشرية، وكان من جملتهم «دوس بن ثعلبان» الذي ذهب للقاء القيصر في الشام وروى له ما فعله ذو نواس الملك الحميري بالمسيحية والمسيحيين في نجران، وطلب منه الانتقام لهم، فأمر القيصر نجاشي الحبشة بذلك، فبعث النجاشي جيشاً بقيادة أرياط ويساعده أبرهة الأشرم، وقد قام ذلك الجيش بالانتقام لمحرقة أهل الأخدود وقضى على الدولة الحميرية، وهذا ما تمت الإشارة إليه في بداية هذه الدراسة من محرقة الأخدود، وكانت السبب في القضاء على الحميريين وسقوط دولتهم. وأبرهة الأشرم، هذا الذي تولى القيادة للجيش بعد أرياط وكذا حكم اليمن، وهو من قام بغزو مكة محاولاً هدم الكعبة المشرفة فأهلكه الله هو وجيشه بالطير الأبابيل ودحر كيدهم كما ذكر في سورة الفيل بالقرآن الكريم. هذا والله الموفق.
| |
|