قسوة حد الزنا:
وزعم بعضهم أن في جلد أو رجم الزاني قسوة بالغة، واعتداء على الحرية الشخصية للناس، كما أن استخدام الرجم وسيلة للقتل وحشية لا تتناسب والقرن العشرين.
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
1- حد الزنا حكم ثابت في الشريعة الإسلامية لا يحل لأحد تعطيله علمنا الحكمة منه أم لم نعلم. قال الله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 2].
2- إن الله تعالى حرم الزنا وغلظ عقوبته لما له من الآثار الوخيمة على الفرد والمجتمع فمن ذلك: تفشي الجرائم الخلقية والانحلال، وتفشي الأوبئة والأمراض الفتاكة كمرض نقص المناعة (الإيدز)، وتفكك أهم رابطة اجتماعية وهي الأسرة، فإنها تهدم النسيج الاجتماعي والرابط التكافلي بين مجموعاته، وفيه تقويض لدعائم الأمم وهدم لمجدها لما فيه من تعطيل النسل الصالح، وقتل النخوة، والشهامة، وقطع الروابط الإنسانية من أبوة وأخوة وبنوة وأمومة، ولما يفرزه الزنا من ضياع أنفس ومهج في المجتمع دون ذنب منها، فابن الزنا ضائع منبوذ في المجتمع، يقاسي صنوف الحرمان والمهانة، مما يولد أشخاصًا يكرهون مجتمعاتهم ويحقدون على أهلها، ولما فيه من الخلط في الأنساب، وإلحاق الأبناء بغير آبائهم، وأخذهم حقوقًا لا يستحقونها.
3- الغريزة الجنسية مركبة في الإنسان، فإذا لم يجعل العقاب الرادع للزنا تحولت المجتمعات إلى بؤرة فساد وانحلال، وعُزِف عن الزواج الذي أحله الله وأراده لعباده.
4- كما شدد الشارع في عقوبة الزنا إلا أنه جعل له من الاحتياطات والشروط ما يضيق معه إقامة الحد، فلم يجعل الشارع السبيل إلى إثبات الحد إلا في حالتين:
الأولى: اعترافهما اعترافًا صريحًا لا رجعة فيه ولا إكراه.
والثانية: شهادة أربعة عدول بأنهما رأياهما حال الزنا رؤية صريحة (أي رؤية الإيلاج) مع اتفاق رؤيا الجميع، وهذا العدد من الشهود يصعب توافره، إلا إذا كانا مجاهرين أمام الناس بفعلتهما، ولذلك قل ثبوت الزنا بهذه الطريقة جدًا عبر التاريخ.
5- ثم إن الشارع الحكيم فرق بين المحصن وغير المحصن في العقوبة، فجعل على غير المحصن مائة جلدة وتغريب عام، وحكم على المحصن بالرجم حتى الموت، ولا يخفى ما بين الاثنين من فرق.
6- أما عن العقوبة بالرجم حتى الموت فليس المراد منها مجرد القتل- والله أعلم - بل المراد من ذلك الزجر والردع عن الإقدام على هذه الجريمة الشنعاء في حقه وحق مجتمعه، وكذلك فيها من العبرة لمن تسول له نفسه الزنا، لذا أمر الشارع بأن يحضر حال تنفيذ الحد جماعة من المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 2].
7- ثم إن الإسلام لم يوجب هذه العقوبة على الزاني إلا بعد أن سد الطرق والوسائل المفضية إلى الزنا، ومن ذلك: تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية، وتحريم الخلوة بها، وغيرها من العوامل المؤدية إلى إثارة الغرائز وتأجيج الشهوات. وعمل على علاج ذلك بالحث على التبكير بالزواج، وتيسير أموره ومتطلباته، حتى يتم تفريغ هذه الغريزة بالشكل المناسب(27).
شدة حد القذف:
زعم بعضهم أن حد القذف وهو الجلد ثمانين جلدة شديد قاسي لا يصلح لزماننا هذا.
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
1- حد القذف حكم ثابت في الشريعة الإسلامية لا يحل لأحد تعطيله علمنا الحكمة منه أم لم نعلم. قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النور: 4-5].
2- حد القذف يرد للمجني عليه اعتباره، ويعيد عليه كرامته.
3- ما في هذا الحد من وقاية أعراض الناس بمنع إلصاق التهم بهم وتشويه سمعتهم.
4- ترك إقامة الحد يجرئ السفهاء على اتهام الشرفاء، مما يزرع في المجتمع بذور الحقد والبغضاء والكراهية بين الناس، وربما أفضى بالمجني عليه إلى الانتقام بالقتل أو غيره حتى يسترد كرامته.
5- إن القاذف حين يقذف أخاه فإنه يؤلمه إيلامًا نفسيًا، فكان من المناسب إيلام القاذف بدنيًا، ونفسيًا جزاء صنيعه.
6- ولما كان القاذف يريد بقذفه تحقير المقذوف كان جزاؤه أن يحقر من الجماعة كلها، وذلك بإسقاط عدالته؛ فلا تقبل له شهادة، ويوصف بالفسق حتى يتوب توبة نصوحًا.
7- أن الإسلام يسد جميع الأبواب المفضية إلى الزنا ويعالجها بشتى الطرق، فالرمي بالزنا وكثرة سماعه قد يهونه في النفوس مما قد يغري بهذه الجريمة، فإذا كانت نادرة الذكر في المجتمع فإنها تبقى مرهوبة لدى الناس، مستبشع الوقوع فيها، وبذلك نحافظ على نزاهة المجتمع وطهارته.
إقامة حد السكر معارض لحرية الإنسان:
زعم بعضهم أن تنفيذ حد السكر فيه انتهاك صارخ لحرية الإنسان الشخصية، وتدخّل في خصوصياته، فضلاً عن ما فيه من الغلظة والقسوة التي يأباها عالمنا المتحضر اليوم.
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
1- حد السكر حكم ثابت في الشريعة الإسلامية لا يحل لأحد تعطيله علمنا الحكمة منه أم لم نعلم. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ [المائدة: 90-91].
وعن أنس بن مالك قال: «إن نبي الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال، ثم جلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر ودنا الناس من الريف والقرى قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود، قال: فجلد عمر ثمانين»(28).
1- إن الإنسان في الشريعة الإسلامية ليس له الحرية المطلقة في مأكله ومشربه، بل هنالك ما هو ممنوع من تناوله لسبب من الأسباب كالضرر والقذارة ونحوهما.
2- اهتم الشارع بالحفاظ على سلامة العقل البشري، فقطع كل الوسائل المؤدية إلى تغييبه أو إتلافه والخمر من أخطر هذه الوسائل.
3- إن الخمر تضع متعاطيها في وضع مزرٍ مهين غير لائق بالحيوان، فضلاً عن الإنسان، فتخرجه عن احتشامه ووقاره بل وعن بشريته في بعض الأحيان، فالخمر تحدث تغييرًا ضارًا في نفسية الإنسان، فتولد فيه الشعور بالنقص والاحتقار والقلق والاضطراب النفسي.
4- إنها إسراف للمال فيما يضر ولا ينفع، يكلف الفرد والدول الخسائر الفادحة.فقد ذكرت بعض التقارير التي نشرت عام 1980م أن فرنسا تخسر على الخمور في العام الواحد ما يربو على (سبعة آلاف مليون دولار)، وأن الولايات المتحدة الأمريكية تخسر ما يربو على (ثلاثين ألف مليون دولار) سنويًا، كما إنها تلهي الإنسان عن عمله وتشغله عما ينفعه ويعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع والفائدة.
6- إنها تحول الإنسان إلى شخص أناني ينفق ماله على ملذاته وشهواته ويترك زوجته وأولاده دون رعاية واهتمام، فمن ذلك كله يعلم لماذا جاء الشرع بتحريم الخمر وترتيب العقوبة الرادعة على من شربها(29).
نتائج حول البحث:
ولعل من الضروري أن نعرّج على بعض النتائج التي يمكن أن تستفاد من هذا البحث وكذلك من خلال اطلاعنا على كلام الفقهاء حول الحدود الشرعية وتفاصيلها ونجعلها بشكل نقاط موجزة لئلا يطول بنا البحث، وليلم القارئ ببعض أهم المعلومات حول هذا الموضوع لما فيه من الأهمية، لاسيما ونحن نتصدى للرد على المخالفين وأصحاب الأهواء:
1- إن العفو من العبد لا مدخل له في الحدود الشرعية، الواجبة لحق الله تعالى، كالزنا والسرقة والشرب وهو خاص بما هو حق للعبد، أو يغلب فيه حق العبد كحد القذف.
2- التوبة لا تعفي صاحبها من حد القذف.
3- التوبة تعفي صاحبها من الحد في الزنا، والسرقة والشرب إذا كانت قبل الرفع إلى الإمام، بشرط الإصلاح معها، فلا يجب على الإمام إقامة الحد في هذه الحالة، إلا أن يصر صاحب الحد على إقامته، فيقيمه عليه تطهيرًا له من الذنب، أما التوبة بعد الرفع إلى الإمام فلا تعفي صاحبها من الحد بل تجب.
4- التداخل يسقط الحد إذا تكررت الحدود من جنس واحد قبل الحد فيجزئ عن الجميع حد واحد، وتسقط عقوبة ما سواه، أو بعبارة أخرى إذا تعددت العقوبة الشرعية في محل واحد، فإن استيفاء أحدها مسقط لما سواه ضرورة لفوات المحل.
5- التقادم الزمني لا أثر له على استيفاء الحدود الشرعية، سواء تقادمت الجريمة قبل ثبوتها أم تقادمت العقوبة قبل استيفائها.
6- الرجوع عن الإقرار بعد الحكم مسقط للحد عن المقر، إذا دل دليل على صحة رجوعه، وأمكن تصديقه فيه لشبهة راجحة.
7- رجوع الشهود عن شهادتهم بعد الحكم وقبل الاستيفاء مسقط للحد عن المشهود عليه.
8-إن من أصاب حدًا في دار الحرب لا يستوفى منه فيها، وإنما يؤخر إلى رجوعه إلى دار الإسلام، فيستوفى منه فيها، ولا أثر لدار الحرب على سقوط الحد عنه.
9- الحدود الشرعية تجب حيث وجدت مسبباتها، ولا أثر لتعدد الجناة، واختلاف أحوالهم؛ فمن استحق العقوبة منهم لتوفر الشرط، وزوال المانع، يستوفى الحد منه، ومن وجد به مانع من الحد، أو شبهة فيختص به، ولا يتعداه إلى غيره ممن شاركه في فعل الجناية الموجهة للحد.
10- الشبهة القوية تسقط الحد سواء وجدت في الفعل أو الفاعل، أو الطريق المثبت للجناية فالحدود لا تقام مع الشبهات، وعلى الإمام أن يحتاط في الإثبات فدرء الحد بالشبهة خير من إقامته معها.
11- إذا ثبت حد الزنا على الزاني المحصن بشهادة الشهود، وحكم على المشهود عليه بالرجم، فإن بداءة الشهود بالرجم ليست شرطًا في الاستيفاء وامتناعهم عن الرجم لا يسقط الحد عن المشهود عليه(30).
صور من انعدام الحدود الشرعية:
لنرى واقع الحال في بعض الدول التي تركت العمل بشرع الخالق، وعاقبت على الجريمة بالقوانين الوضعية، لنرى حالهم بصورة إحصائيات لأعداد أطفال الزنا وجرائم السرقة وغيرها من الجرائم، هذه الجرائم أرقامها تتحدث بالتالي:
في عام 1970م كانت إحصائية عدد الجرائم أكثر من مليون جريمة.
وفي عام 1971م أي بعد عام واحد أصبحت عدد الجرائم إحدى عشر ونصف مليون جريمة.
وعندما نأتي إلى التحديدات الأكثر في إحصائيات متأخرة؛ فإننا نجد -على سبيل المثال- في إحصائية 1988م عدد الذين قتلوا في جرائم القتل في مدينة نيويورك وحدها 1849 شخص.
وفي عام 1970م كان هناك 16800 جريمة قتل.
بينما تضاعفت في عام 1974م إلى 21500 جريمة قتل.
وهكذا نجد أن الجرائم تتضاعف؛ حتى كانت بعض الإحصائيات تدل على أنه في أمريكا تحصل جريمة قتل كل دقيقتين، وجريمة اغتصاب كل عشرين دقيقة ثم يدخل المجرم إلى السجن ليأكل ويشرب، ويكون هذا أقصر طريق للبطالين والعاطلين عن العمل؛ لا يجدون قوتًا ولا مأوى فيقتل له أي إنسان حتى يدخل إلى السجن ويعيش مرفّهًا ومنعمًا.
وفي ألمانيا القتل بالرصاص تضاعف عشرة أضعاف أي في عام 1969م كان هناك ألفي جريمة بينما في عام 1970م ألفي وخمسمائة جريمة بينما في عام 1971م ثلاثة آلاف جريمة - والزيادة مضطردة حتى وصلت إلى عشرة أضعاف العدد الأول.
وفي بريطانيا عدد جرائم القتل 15759 جريمة عام 1969م، وفي عام 1970م قفز الرقم إلى 41088 جريمة قتل، ثم وصل بعد ذلك إلى 50000، والزيادة أيضًا باستمرار.
ولقد وجدت في ألمانيا طفلة مشوهة ومعتدى عليها، وفي حالة يرثى لها ونقلت إلى المستشفى، ورغم الإسعاف والنقل إلى المستشفى ماتت ولما كانت مجهولة الهوية أعلنت المستشفى عن أوصاف الطفلة التي وجدت في حالة سيئة وقتلت، وعلى من فُقدِت له ابنة أن يتصل، فاتصل بهذه المستشفى أكثر من 500 أسرة في نفس هذه المدينة فقط، تقول إنها فقدت بنات لها في مثل في هذا السن، في مثل هذا الوصف ولا يعرفون عنهم شيئًا.
وهذا تقرير يلخص جرائم يوم واحد في أمريكا، يقول هذا التقرير إن الجرائم التي قبض فيها على مرتكبيها بالأعداد في يوم واحد على مستوى أمريكا 2253 من متعاطي الحشيش، الاغتصاب 180 امرأة، القتل 53 شخص، السرقة 2618 سيارة، شرب الخمور 90بليون زجاجة بيرة، الهروب بالأطفال 2740 طفل، حمل النساء المراهقات -من غير زواج طبعًا- 2740، الإجهاض 3231، الإصابات بالأمراض الناتجة عن مثل هذا 68493 شخص، هكذا تجد أن الجريمة صارت هي الأساس في مثل هذه المجتمعات من القتل إلى الاغتصاب إلى السرقة، وهذه الأعداد هي التي تضبط أما التي لا تضبط فهي أكثر من ذلك بكثير، أما لجنة تابعة للأمم المتحدة فقد كتبت في تقاريرها أن هناك عصابات كثيرة متخصصة في اختطاف الأطفال وممارسة الجنس، واستغلالهم في الدعارة بالصور، ولبيعهم أيضًا إلى عصابات أخرى تتولى مثل هذه الأمور.
وفي إحدى المجلات في أغسطس 1983م، تقول هذه المجلة أن هناك أطفال يستخدمون في هذه الجرائم ويستخدمون في البيع، وأن هذه تجارة أصبحت رائجة ورابحة، وفي بحث أعده أحد دكاترة علم النفس-وهو أمريكي- على عينة من الأطفال الذين ينشأون في هذه المؤسسات، هؤلاء الأطفال الذين يولدون بطريقة غير شرعية وعندما أجري بحث على 22 من هؤلاء وجد أن نفسياتهم تتشكل بصورة عجيبة، فعندهم عدوان وأنانية، وسلبية وصعوبات في الأكل والكلام؛ لأنهم ينشأون في غير المحضن الأسري.
وفي عالم العلاقة بين الجنسين، تقول الإحصائيات أن واحد من كل أربعة أطفال يولدون لأم مراهقة غير متزوجة، يعني ولادة غير شرعية، ربع السكان طبعًا، هذا الذي يتجاوز وسائل منع الحمل وتجاوز عمليات الإجهاض؛ وإلا فإن النسبة تبلغ إلى أكثر من النصف، ولكن هؤلاء هم الذين يصلون إلى مرحلة الاكتمال والولادة، وفي مجلة التايم نشرت في غلاف عددها بعنوان (الأطفال يولدون الأطفال)نشرت فيه تحقيقًا عن فتيات في سن التاسعة والعاشرة والحادية عشرة، وهن قد أنجبن أطفالاً، طبعًا هؤلاء لا يعرفن أساليب منع الحمل والإجهاض، ولذلك هذه الطفولة مع الجريمة بين الجنسين تجتمعان معًا.
ومن عام 1972م إلى عام 1974م ذكرت الإحصائيات في أمريكا 643 حالة إجهاض قانونية في السنة الواحدة في كل سنة من هذه السنوات، أما في عام 1976م فقد شهدت أكثر من مليون حالة إجهاض، وتضيف الإحصائية أن 70% من عمليات الإجهاض تتم من قبل نساء غير متزوجات.
وفي مجلة واشنطن بوست ذكرت أن أعداداً كبيرة من النساء الأمريكيات يقبلن على قتل البنات بالإجهاض وهذا هو الوأد الجاهلي الذي يمارس في القرن العشرين بأبشع مما كان يمارس في الجاهلية(31).
إن القوانين الوضعية الحديثة التي يعتبرها أهلها أكثر القوانين إحكامًا في مجال مكافحة الجريمة لم تنجح بعد فيما وضعت من أجله وهو مكافحة الجريمة بعد مرور أكثر من قرنين على تاريخ وضعها، وهذا باعتراف أهلها الأصليين ومنهم قاض في محكمة النقض الفرنسية الذي تعتبر بلاده قبلة العالم اليوم في مجال التشريع خصوصاً مستعمراتها السابقة ومنها الجزائر.
قال السيد موريس باتان رئيس محكمة النقض الجزائية الفرنسية في افتتاح مؤتمر الوقاية من الإجرام المنعقد في باريس سنة 1959م: أنا لست إلا قاضٍ في جهاز العدالة لم يخطر على بالي في أي وقت من الأوقات الاهتمام بأسس الوقاية من الإجرام لأن وظيفتي لم تكن هناك بل على العكس فقد كانت ولا تزال في العقاب لا في الحماية، كرست حياتي تبعاً لمهنتي القضائية الطويلة في محاربة المنحرفين حرباً سجالاً لا هوادة فيها، سلاحي الوحيد الذي وضعه القانون تحت تصرفي سلاح العقاب التقليدي، أوزع الأحكام القاسية والشديدة أحياناً على جيوش المجرمين والمتمردين ضد المجتمع، ساعياً ما أمكن إلى التوفيق بين نوعية العقاب وماهية الجريمة، وكنت أسأل نفسي دوماً كما كان الكثيرون من زملائي يتساءلون أيضاً عما إذا كان هذا السلاح قد أصبح في يدنا غير ذي شأن، وقد شعرت ولا أزال أشعر بكثير من الألم والمرارة بما كان يشعر به أولئك الذين تحدثنا الأساطير عنهم، أنهم كانوا يحاربون المسخ فكانوا كلما قطعوا رأساً من رؤوس هذا المسخ تنبت محله رؤوس ورؤوس، وقد تعاقبت السنوات وأنا ألاحظ بدهشة أن عدد المجرمين لا يزال مستقراً إن لم يصبح متزايداً، وأنه كلما كنا نرسل الكبار منهم إلى السجن أو إلى المنفى أو إلى المقصلة كان غيرهم يخلفهم في نفس الطريق بأعداد أكثر منهم(32).
وجه الإعجاز:
إن حقوق الإنسان في الإسلام ليست مطلقة بل هي مقيدة بعدم التعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية، وبالتالي بعدم الإضرار بمصالح الجماعة، والتي يعتبر الإنسان فردًا من أفرادها ومن ذلك أن الإسلام كفل للإنسان حرية الرأي والتعبير عن رأيه، فله الجهر بالحق وإسداء النصيحة للعامة والخاصة فيما يحقق نفع المسلمين ويصون مصالح الفرد والمجتمع ويحفظ النظام العام، لكن هناك قيود وضوابط لا ينبغي تجاوزها في هذا الأمر ومنها:
أن تمارس حرية الرأي بأسلوب سلمي قائم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا يجوز التعبير عن الرأي إذا كان في ذلك ضرر على الآخرين، أو اعتداء على حرماتهم وأعراضهم، أو اجتراء على الدين وأهله، أو تهييج للعامة على ولاة الأمور، وإيغار صدورهم عليهم(33)...
إن الشريعة الإسلامية اعتبرت بعض الأفعال جرائم وعاقبت عليها لحفظ مصالح الجماعة ولصيانة النظام الذي تقوم عليه الجماعة، ولضمان بقاء الجماعة قوية متضامنة متخلقة بالأخلاق الفاضلة، والله الذي شرع هذه الأحكام وأمر بها، لا تضره معصية عاص، ولو عصاه أهل الأرض جميعًا، ولا تنفعه طاعة مطيع ولو أطاعه أهل الأرض جميعًا، ولكنه كتب على نفسه الرحمة لعباده، ولم يرسل الرسل إلا رحمة للعالمين لاستنقاذهم من الجهالة، وإرشادهم من الضلالة، ولكفهم عن المعاصي وبعثهم على الطاعة(34)، كما أن العقوبة في الشريعة الإسلامية منضبطة بضوابط عدة من أهمها:
أن الشريعة الإسلامية تأخذ بقاعدة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" منذ بزوغ فجر الإسلام، أما الأنظمة الوضعية فلم تعرف هذا المبدأ إلا في أعقاب القرن الثامن عشر الميلادي؛ إذ أدخلت في قانون العقوبات الفرنسي كنتيجة من نتائج الثورة الفرنسية، وتقررت لأول مرة في إعلان حقوق الإنسان الصادر سنة 1789م، ثم انتقلت إلى التشريعات الوضعية الأخرى(35).
ويروي التاريخ أن هشام بن عبد الملك من خلفاء بني أمية عطل حد السرقة والحرابة سنة، فتضاعفت حوادثها وصار الناس غير آمنين على أنفسهم ولا على أموالهم من النهب والسلب، واستشرى خطر اللصوص في البوادي والحواضر، فلما تفاقم الأمر واضطربت الأحوال أعاد هشام بن عبد الملك العقوبة كما شرعها الله تعالى، فكان الإعلام بالإعادة وحده كافيًا لردع المجرمين وصيانة الحقوق وحفظ الأموال والنفوس(36).
ونجد أنه في الأربعين سنة الأولى من الدولة الإسلامية قطعت ستة أيادي فقط، وفي الجانب الآخر: الآلاف في السجون الأميريكية والأوروبية والملايين من الأحرار يخشون التجول بعد الثامنة مساءًا بسبب اللصوص والمجرمين، فأي الحكمين أصوب في مكافحة الجريمة؟
منذ مدة قررت حكومة أوكلاهوما الإفراج عن أعداد كبيرة من السجون لأنهم ارتكبوا أعمال بسيطة وذلك لإفساح المجال أمام المجرمين الأكثر خطورة حيث إن السجون قد أضحت مكتظة بالمجرمين!فالمجرم يكلف الدولة سنويًّا 30000 دولار أميريكي فأي الحكمين هو الأصوب؟
هل هو القانون الوضعي أم الشريعة الإسلامية؟
إن المتأمل لنظامنا الجنائي في شرعنا الإسلامي ليعلم علم اليقين أنه لا يمكن أن تستقيم حياة الناس إلا بنظام يضعه خالقهم سبحانه وتعالى.
فلله الحمد أولاً وآخرًا أن هدانا للإسلام ولتحكيم شريعة الله تعالى في البلاد وبين العباد.
إعداد: قسطاس إبراهيم النعيمي
مراجعة: علي عمر بلعجم