(16)
عندما توفي مسعود وخلفه أخوه مساعد اعترض على ذلك رجال عشيرة ضحو بركات والذين انتقلوا إلى وادي فاطمة وقاموا بمراسلة الشريف محمد بن عبد الله وقامت بعض المعارك بين محمد ومساعد هزم فيها محمد ..
وبدعم من أمير الحج المصري و أمير الحج الشامي تم تعيين الشريف مبارك بن محمد بن عبد الله بعد أن تم تطويق بيت مساعد وإعلان تعيين مبارك .. ولكن قام أحمد وهو أخ لمساعد بالهجوم على مبارك والقبض عليه وسجنه حيث توفي في السجن ..
وعند عودة أمير الحج الشامي طلب عزل الشريف مساعد لتصرفه في المياه المخصصة للحجاج وتم تعيين أخاه جعفر ..
وبعد مغادرة الحجاج أخلى جعفر سبيل أخاه مساعد وتنازل له عن الحكم ..
وقام ضد مساعد .. عبد الله بن الحسين من ضحو بركات فحاول أولا الاستيلاء على جده وفشل
ثم هزم مرتان .. ثم غادر إلى مصر وطلب من علي بك مساعدته فدعمه بالرجال والسلاح والمؤن بحمولة ثلاث سفن ..
وتوفي مساعد قبل أن تصل هذه السفن وتولى الحكم عبد الله بن الحسين وذلك في 29 نيسان 1770م ..
وخلال حكم مسعود ومساعد وصل رجال من نجد يطلبون منهما السماح لهم بالحج وكذلك مع من خلفهم أحمد وسرور واقترح بعض علمائهم مناقشة سبب رفض السماح لهم بالحج ولكن تم رفض ذلك .
وقبل أن يموت مساعد اهتم بأن يتولى الحكم أخاه عبد الله بن سعيد بن زيد وتمت الموافقة من مجلس الأشراف
وسمي حاكما لمكة ولكن اعترض عليه أخوه أحمد بقوة السلاح وجعله يتنازل له عن الحكم ..
ولكنه لم يهنأ بالحكم فقد وصلت القوات المصرية المساعدة لعبد الله بن الحسين ولما أحس أحمد بعدم القدرة على المواجهة أرسل كتاب بالخضوع لعبد الله وانسحب إلى الطائف ..
واستلم الشريف عبد الله بن الحسين الحكم
وبينما عبد الله يتجول بحصانه قام أحد الدراويش بطعنه بخنجر بفخذه وأتضح أن المعتدي مختل فأطلق سراحه ..
وقامت بعض المناوشات والوقائع بين الشريف عبد الله والشريف أحمد وأخيرا غادر عبد الله إلى مصر .. وتولى الحكم الشريف أحمد
في عام 1771م أراد الشريف أحمد عزل وزيره يوسف قابل فأرسل جنودا لإحضاره بالقوة من جده وكان الشريف سرور وعمره 17 عاما وهو ابن أخ الشريف أحمد يسمع الخطة .. فأنطلق إلى جده ليحذر قابل ناقما على طريقة عمه في تدبير الأمور ..
ثم ذهب سرور إلى وادي مر (فاطمة) وأخذ يحشد الرجال من الوادي ومن عتيبة وواجه عمه أحمد وانتصر عليه في 5 شباط 1773م ودخل مكة ظافرا وكان عمره 18 عاما ..
وخلال الخمس سنوات الأولى لحكم سرور خاض ضد عمه أحمد 15 معركة وأخيرا قبض عليه مع ولديه وسجنهم بينبع ومرض أحمد فنقله إلى جدة حيث توفي فيها عام 1780م
وكان الشريف سرور قد تزوج عام 1779م ابنة سلطان مراكش والتي وصلت إلى مكة بحماية أخوانها
وقامت بين سرور وقبيلة حرب بعض المعارك لعدم حصول شيوخهم على المساعدات مقابل تأمين مرور القوافل والحجاج فعاد إلى مكة منتصرا
ووجد في انتظاره عطاءات سخية من الهند ومراكش ومن محمد علي باشا حاكم مصر ..
وقع الشريف سرور مريضا وتوفي في 20 أيلول 1788م وكان في الرابعة والثلاثين من عمره وخلفه في الحكم أخاه الأصغر غالب
وكان الشريف غالب محنك وفارس ولم يسلم من بعض المكائد من إخوته وأقاربه ...
ولكن الناس كانوا خائفين من الخطر القادم من وسط الجزيرة العربية والذين يعتبرونهم أصوليين ومتعصبين و...
وقد وصل منهم ثلاثين من رجالهم المهمين ليشرحوا لهم مفهومهم للدين ولكنهم أعيدوا لبلادهم .. وأخيرا اشترط عليهم غالب دفع مبالغ وأن يرسلوا سنويا مائة فرس ورفض هذا الشرط فهددهم الشريف غالب بغزوهم في بلادهم ..
بل وطالب من الدولة العثمانية بدعمه بالعتاد والذخيرة ولم تستجب له ..
وعندما حاول غزوهم عام 1797م بعث أحد قادته بأن النجديين مثل الجراد أو السيل وكانت الإصابات هائلة وقدر عدد القتلى من الطرفين بالفي شخص .. فتراجعت قوات غالب إلى مكة .
وأرسلت الدولة العثمانية إلى الدرعية حملة عسكرية من بغداد عن طريق الأحساء مدعومة من قبائل شمر والظفير والمنتفق ولكنها عادت إلى العراق بعد حصار قصير .
(17)
أرسل الباب العالي العثماني فرمان إلى مكة عام 1798م بدعم أراضي الحجاز لاحتمال وقوع غزو فرنسي على الحجاز
فقام بترميم أسوار جدة والكتابة للقائد البريطاني في عدن لمنع الفرنسيين من دخول الحجاز واليمن
ووصلت الباخرة الإنجليزية رومني جدة في 21 آيار 1801م وبدأ عهد جديد مع الإنجليز ..
وكانت هناك هدنة حقيقية مع النجديين تم الاتفاق عليها عام 1799م وتم مرور قوافل الحجاج عبر نجد .. وفي عام 1800م حج الأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود ومعه عدد كبير من رجاله .. ولكن في عام 1801م حدثت بعض اختراقات للهدنة ..
وبدأ الضعف في سلطة الدولة العثمانية بالحجاز بينما بدأ الإنجليز بتقوية علاقتهم بالشريف
أرسل الشريف غالب صهره عثمان المضايفي وبعض الأشراف لتجديد الهدنه مع حاكم نجد بن سعود ولكن يظهر أن المضايفي مال لابن سعود .
قاد الشريف غالب قوة لدعم قوة أخيه عبد المعين ضد عثمان المضايفي ..
إلا أنه وجد دعما للمضايفي من بيشة والجنوب فعاد الشريف إلى مكة .
وفي عام 1802م ارتفعت الأصوات تنادي للجهاد وتطالب بالمتطوعين القادرين على القتال ..
حاول غالب مع أمراء الحج أن يعيروه دعهم ولكنهم غادروا بعد انتهاء مناسك الحج ..
وصلت القوات السعودية للحسينية وهي ضاحية جنوب شرق مكة وقريبة جدا منها وجعلتها مركزا للقيادة ..وبدأت في حصار مكة ..
وبدأ الزاد والعتاد ينفذ من الشريف غالب فأنتقل بعائلته إلى جدة
ودخل سعود بن عبد العزيز مكة المكرمة عام 1803م
والتزم الناس بالصلاة في أوقاتها وبعدم التدخين ومنع ذكر اسم السلطان في خطبة الجمعة
ثم حاصر سعود جدة .. وكان سورها منيعا وأرزاقها تأتي عن طريق البحر فترك حصارها وعاد إلى نجد .. وبعودته عاد الشريف غالب إلى مكة وطرد الحامية الصغيرة التي أبقاها السعوديون .
ثم ظهر العسيريون بقيادة أبو نقطة وكانت لهم بعض الهيمنة على ساحل البحر ..
وحاول عثمان المضايفي عام 1805م الاستيلاء على جده دون جدوى ..
وفي عام 1810م وصلت الأوامر مرة أخرى لمحمد علي باشا بالتنفيذ الفوري حيث سبق وأن طلب منه عام 1804م تحرير الحجاز من السعوديين ..
عام 1811م في تشرين الأول نوفمبر وصلت إلى ينبع سفن تقل القوات التركية والتي أعدها حاكم مصر من قبل العثمانيين محمد علي باشا بقيادة ابنه طوسن بك وكان في السابعة عشره من عمره .. ومعه القائد أحمد أغا الملقب بأحمد بونابرت ووصل عن طريق البر الشيخ شديد شيخ الحويطات ومعه قواته البدوية
والشريف غالب لم يستقبل القوات أو يرسل من يرحب بها .. وهو حذر ويتمنى أن تجهز القوتين على بعضها .. أو يقوم هو أخيرا بالإجهاز عليهما ..
ولكن بعد استيلاء الأتراك على المدينة المنورة أرسل الشريف غالب للقائد التركي يدعوه للمجي لجدة ومكة .. وعند وصول القائد التركي مصطفي بك مع قواته انضم غالب وقواته إليه واتجها إلى مكة المكرمة فغادرها عثمان المضايفي وقواته إلى الطائف .. ودخل الشريف غالب والقوات إلى مكة في كانون الثاني يناير 1813م وقد احترم السعوديون خصوصية أهل مكة ..
وفي نفس العام وصل إلى مكة محمد علي باشا وأقسما هو والشريف غالب عند الكعبة بأن لا يخون أحدهما الآخر ..
ولكن بدأت العلاقة بينهما تفتر بل وفكر محمد علي بالقضاء على الشريف
وبحيلة قام محمد علي بالقبض على غالب وأرسله مع عائلته إلى تركيا وماتوا بوباء فيها ..
خاف أهل مكة من الباشا وبدأ كثير من كبارهم مغادرة مكة وكثير من رجاله وجنده إلى تربه وممن غادر مكة الشريف راجح والذي توجه للدرعية ورحب به الأمير سعود وقام بتعيينه في مكان عثمان المضايفي بوظيفة أمير الأمراء لبدو الحجاز ..
وقام محمد علي باشا بتعيين الشريف يحي بن سرور حاكما وهو ابن أخ للشريف غالب ..
واحتفظ الباشا بكل الإيرادات وخصص راتب شهري للشريف يحي فأصبح كأنه من ضباطه ..
جعل الشريف راجح تربة مكان قيادته وانضم إليه علي المضايفي أخو عثمان المضايفي
إلا أن الشريف راجح عاد إلى الطائف واستقبله الباشا بالترحاب وجعله قائدا للبدو ..
وفي عام 1814م مات سعود فخسر السعوديون قائدا لا يكل ولا يمل وقيل أنه نصح ابنه عبد الله بأن لا يحارب الأتراك في سهول مكشوفة ..
ومن الحوادث الغريبة لرفع معنويات الجنود فقد القي القبض على مجموعة من الرجال في طريقهم إلى جدة ووجهت لهم تهمة السرقة وانتمائهم للسعوديين وتم إعدامهم أمام حشد من الناس واتضح أنهم ذاهبون لجدة لشراء بعض المؤن من السوق .
وفي عام 1815م عاد محمد على إلى القاهرة بعد معارك كبيرة في تربة وعسير وقضى على قادة تلك المنطقة المؤيدين للسعوديين .. وقام بالإجراءات التالية :
حسن باشا حاكما لمكة .. وحسين بك رئيس للفرسان والشريف راجح مسئول عن الحامية العسكرية في تربة وبيشة ..
ولحقه في 7 تشرين الثاني 1815 م ابنه طوسون والذي كان قد وصل إلى القصيم وعقد بها اتفاقية مع حاكم نجد الأمام عبد الله بن سعود .. وعندما قدمها لوالده بمصر تحفظ عليها ..
وتوفي طوسون بوباء في عام 1816م
(18)
وفي عام 1816م انطلق ابراهيم باشا ابن محمد علي إلى الحجاز لتنفيذ أوامر بالهجوم على الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى ..
واستمرت مكة تحت حكم القائد العثماني حسن باشا وتم تعيين حاكم جديد من قبل الأتراك لمدينة جده ولم يعد للأشراف حكم في الحجاز حتى أن الباشا في عام 1820م قام بطرد الشريف يحي بن سرور من الإدارة .. ثم تم القبض عليه وأرسل لمصر حيث توفي هناك ..
وبدأ الباشا يقرب عبد المطلب بن غالب ابن شريف مكة السابق .. ووافق الأهالي على تعيينه شريفا لمكة بدعم وتأييد من الباشا وذلك عام 1826م ..
وفي عام 1831م غادر مكة مع قوافل الحجاج إلى الشام ومنها إلى اسطنبول الشريف محمد بن عبد المعين بن عون والذي كان له دور كبير في استيلاء قوات محمد علي على عسير ..
توفي بمكة حسن باشا حاكم مكة بالكوليرا عام 1841م ومن جاء بعده واجه صعوبات شديدة وخاصة في النواحي المالية وقام الشريف بطرد بعض الفرق العسكرية والتي توطنت في جده وما حولها .
وفي عام 1833م لم يستطع الشريف السيطرة على عودة قوة العسيريين في مناطق غامد وزهران وبيشة .. فطلب محمد علي باشا من الشريف والباشا الحضور لمصر وأبقى الشريف عبد المطلب حاكم مكة عنده مكرها وأعاد الباشا إلى مكة ..
قرر محمد على باشا سحب جميع قواته من الحجاز .. فقد أتم ما طلب منه الباب العالي .. ولم يعد هناك تهديد على الحجاز من نجد ..
والجدير ذكره تم في عام 1835م تعيين يعقوب يوسف قائم بأعمال القنصل البريطاني الفخري بجدة وجاء تعيينه عفويا وبدون اعتراض من أحد وكذلك في عام 1838م تعيين مستر أوغيلفاي كنائب قنصل رسمي في جدة ..
أرسل محمد علي باشا الشريف محمد بن عون عام 1840م لتولي حكم مكة والعمل على تسهيل عودة الجنود الأتراك إلى مصر ..
تولى الشريف محمد بن عون الحكم وهو يعرف أن مصير حكمه بيد السلطان في اسطنبول ونائب السلطان في مصر .
ومن الحوادث التي أحدثت برودا في العلاقة بين الشريف والسلطان في عام 1844م
كان ابن رومي وهو من شيوخ قبيلة حرب حدثت بينه وبين عثمان باشا بالمدينة المنورة خلافات بخصوص الإعانات المقررة له فهاجم ابن رومي ميناء رابغ .. دعا عثمان باشا ابن رومي إلى وليمة للصلح في خيمة قرب رابغ وحضر ابن رومي وجماعته وكان عددهم 25 شخصا .. وأحضر مهرجا يسلي الحضور واستأذن الباشا للحظات .. وما كاد أن يخرج من الخيمة حتى بادر حرسه بقطع حبال الخيمة فسقطت الخيمة على الضيوف وأصبحت كالشبكة وأخذ الحرس بطعن وقتل كل من فيها ..
وكان هناك صبي في الثانية عشر مختبئا وعندما هرب لحقوه وقعطوا رأسه ..
وأرسلت خمسة رؤوس إلى مكة حيث وضعت على خوازيق وبعد أن قطعت أذان وأنوف القتلى وعمل منها عقود زينت بها أعناق الجمال التي حملت هذه الرؤوس .. هذه الحادثة هزت الثقة بين الشريف عون وقبيلة حرب ..
ولكن الشريف حقق نجاح في سيره إلى منطقة القصيم ومن ثم إلى الرياض العاصمة الجديدة لنجد بعد أن دمر ابراهيم باشا الدرعية ..
وكذلك مكن شيخ من العبيدات من شمر ( بن رشيد ) ودعم استقلاله وأصبحت حائل عاصمة لمنطقة جبل شمر .. وأصبحت حائل مشهورة في أوربا وخاصة بخيولها الأصيلة ..
قام الشريف محمد بن عون بمرافقة القوات التركية المتجهة لحرب إمام صنعاء حتى الحديدة حيث حضر الإمام ووقع اتفاقية سلام مع تركيا ووافق على بقاء حامية تركية ودفع جزء من الإيرادات لهم ..
ومن ثم انتقلوا إلى صنعاء .. ودعي في المساجد للسلطان بدلا من الإمام ..
وحدث أثناء ذلك أن قتل يمني على يد جندي تركي لخلاف وقع بينهم وتم تبادل النار وجرح قائد الحملة توفيق باشا وتم تبديل الإمام بإمام جديد في اليمن ..
ودفع الباشا 20000 قطه فضية يشتري بها سلامة عودته .. وكان الشريف عون قد ضمن له المرور عبر عسير لأنهم حلفاء له وهو الغرض الأساسي من طلبه مرافقته ..
وبالرغم من هذا استلم باشا جدة أمرا بإرسال محمد بن عون وابنيه الكبيرين إلي تركيا ..
وبمكيدة متقنة تم دعوة ابني محمد بن عون لمشاهدة سفينة حربية بجدة وبعد وصولهما تم التحفظ عليهما وفي نفس الوقت طوقت القوات منزل عون بمكة وهددت بتفجيرة فخرج لهم وتم نقله مع ولديه إلي اسطنبول ..
(19)
وتسلم حكم مكة الشريف منصور بن يحي .. مؤقتا حتى حضور الشريف عبد المطلب بن غالب
وصل الشريف عبد المطلب وأختار الشريف عبد الله بن ناصر مساعدا له ..
وكان وصف عبد المطلب في الستين من عمره طويل ونحيف ولونه غامق أسود تقريبا ..
وكانت العلاقات قد بدأت تسوء بين الناس والأتراك بحيث حدت من تحركات الأتراك .. كما وكانت هناك احتجاجات كثيرة من الباشا ..
عمل الشريف عدة محاولات لإعادة النظام والأمن .. فأعتقد الأتراك أنه يمهد لعمل عسكري ضدهم وعند عودة الباشا من تركيا أشيع أنه صدرت أوامر عليا بعزل الشريف عبد المطلب .. فقام الشريف بمغادرة مكة إلى الطائف .. فعمت الفوضى مكة .
وفي وسط هذه الفوضى عاد الشريف محمد بن عون حاكما لمكة
وكان وصوله في 17 نيسان ابريل 1856م وبعد أيام من وصوله تم القبض على الشريف عبد المطلب بعد مقاومة بسيطة بمنطقة بحرة الواقعة بين مكة وجدة ونفي إلى سالونيك في تركيا.
ومن الأحداث في هذه الفترة في عام 1851م هوجم القنصل الفرنسي ولم يتم القبض على أحد
ووصلت بعض السفن الفرنسية ولم يسمح لطاقمها بالنزول لاضطراب البلاد .
في عام 1858م توفي الشريف محمد بن عون عن عمر يناهز التسعين عاما وخلفه ابنه عبد الله باشا وكان عبد الله عضوا في مجلس أعيان السلطان في اسطنبول ..
أعلن في جدة عن شركة سفن بخارية لنقل البضائع والركاب بين مواني البحر الأحمر .. وأحدث هذا هم وقلق من قبل البحارة وأصحاب السفن الشراعية من العرب وكان اغلب البحارة من اليمن وحضرموت .. وبدأت الناس تتكلم عن هذا الموضوع وكأنه كارثة على البلاد ..
ومن أهم الأحداث في 15 حزيران 1858 م تم إنزال العلم التركي من على المركب واسمه (ايراني) يملكه اثنان من البريطانيين ووضع مكانه العلم البريطاني فقام بعض الناس بمداهمة بيت القنصل البريطاني وجرى قتل ونهب بيته وكادوا يفعلون نفس الشيء في القنصلية الفرنسية
ولم يحرك الضابط التركي ساكنا لعدم وجود رئيسه نامق .. والذي لم يصل إلا بعد ثلاثة أيام من الحادثة
وأمر السلطان التحقيق مع حاكم جده و بسجن وإعدام الذين قاموا بهذا العمل
وصلت السفينة البريطانية السايكلويس وطلب قائدها أن ينفذ حكم الإعدام بقطع رؤوس أصحاب هذه الفتنة ..
ثم أخذ يطلق نيران المدفعية على جدة وأنزل بعض جنوده إلى البر ..
فتم الحكم وإعدام أحد عشر رجلا من المتهمين أمام المكان الذي اجتمعوا به ..
كما أعدم لاحقا رئيس البوليس السابق ورئيس الحضارم والقائم مقام ..
وبعد هذه الحادثة تم الاعتراف بوجود القنصليات الأجنبية وحمايتها .
كان العسيريون ( ويقصد بها سكان منطقة الباحة وعسير) يغرقون المراكب العثمانية في البحر في مدينة جيزان .. فأرسلت لهم قوات من الحديدة في عام 1861م لاحتلال جيزان وأبو عريش
ولم يتم ذلك إلا على يد الشريف بمهارته العسكرية والدبلوماسية ..
تم افتتاح المجرى المائي عبر السويس (قناة السويس) فتم الاتصال المباشر بين اسطنبول وجدة عبر سفن بخارية من صنع بريطانيا .. وبذا تم الاستغناء عن الطرق البرية الطويلة والمهلكة ..
وتم استخدام ذلك منذ عام 1870م بنجاح سواء بإرسال القوات أو التموين .
في عام 1874م لم يكن يوجد في جدة قنصل بريطاني ولكن تم تعيين قنصل بدون معاش تحت إشراف الوكيل البريطاني في مصر .. وكان من مهامه مراقبة تجارة الرقيق والتي كانت مزدهرة في ذلك الوقت هناك .. ومن تقارير القنصل : ( مئات العبيد يمرون خلال الميناء في وضح النهار وتؤخذ ضريبة على كل رأس عشرة قروش .. في أحد الأيام ظهر ستة وتسعين عبدا من الأولاد والبنات وهم شبه عرايا ومقيدين ودخلوا إلى المدينة مثل القطيع)
بدأ الأتراك بتهميش دور الشريف وعدم الاكتراث له ..
وفي عام 1879م كان على الشريف أن يخضع إلى الجمعية البلدية المفروضة عليه والتي كانت تهمل مواضيعه .
وفي عام 1880م في مدينة جدة تم اغتيال الشريف حسين والذي كان معتدلا ومتحررا نتيجة لهذا الاهمال .
( وكان المتبع أن المتهم التركي يحاكم بواسطة الوالي أو القاضي التركي والعربي يحاكم بواسطة الشريف أو قاضي الشرع )
(20)
في عام 1881م تولى حكم مكة الشريف عبد المطلب بن غالب وهو كبير بالسن وسبق له أن تولى الحكم مرتان ونفي إلى تركيا ..
وأخذ يخدم شعبه ويحتقر التجار الأغنياء من الحضارم وغيرهم ممن يعبد المال ..
إلا أنه أظهر شدة في غير محلها مثل إلقاء القبض على ثلاثة مشتبه بهم فتم تعذيبهم ومات اثنان منهم تحت وطأة التعذيب .. كما قام بهدم دار أحد الأشراف العبادله المواجهه لداره لسبب تافه ..
وعندما تقدم بعض البدو بشكوى للوالي ضده قام بالإغارة عليهم وقتل بعضهم .. وأصبح الأشراف وأعيان مكة لا يطيقون هذا الشريف العجوز النشيط .. وبدأت ترفع الشكاوي ضده .
في تشرين الثاني 1881م تم تعيين عثمان نوري باشا كقائد عثماني جديد ووصلت معه فرق عسكرية .. و إعادة تعيين الوالي السابق عزت باشا واليا على الحجاز
وأول عمل قام به هذا الوالي هو محاصرة بيت الشريف عبد المطلب ليقطع عليه فرصة أي هروب من مكة
وتهيأ الأشراف العبادلة لأي طاريء .
وعند الفجر قرأ على الشريف عبد المطلب بن غالب الأمر بعزله وأخذ أسيرا إلى الطائف .. ثم نقل إلى منزل له قرب منى حيث توفي فيه في 29 كانون الثاني 1886م ..
وقال الشريف قبل موته : إن أيام التلغراف الجديد (اللاسلكي) والسفن البخارية والبندقية ذات مخزن التلقيم لم تترك لي مكانا بينها ( وجميعها اختراعات جديدة في ذلك الوقت ) ..
وحضرت جموع كبيرة من الناس لتشييع جنازته .. حتى أن الوالي التركي الجديد والشريف الجديد تأثرا من هذه الشعبية الكبيرة للشريف عبد المطلب .
في 1882م تولى الحكم الشريف عون الرفيق بن محمد بن عون بتعيين من الباب العالي
بدلا من أخيه عبد الله الأصغر والذي كان مرشحا من قبل الوالي ..
وبه تغيرت كثير من العادات القديمة من مراوح من ريش النعام ونافخي الأبواق والمسلحين السود وحملة السيوف التي تسبق موكبه وبعض الألبسة وغيرها بدأت تتلاشى ..
كان مجلس الشريف يبحث في الأمور الشكلية بعيدا عن السياسة .
وكان الشريف يأخذ راتبا وليس له من الإيرادات شيئا ..
كما قام الوالي التركي بحملة على قبيلة حرب دون مشاورته ..
لم يستطع الشريف عون الرفيق تحمل كل هذا فقام في المساء وأفراد أسرته وتجار ووجهاء البلد والعلماء والقضاة بمغادرة مكة إلى المدينة المنورة ..
في الصباح وجد الأتراك أبواب المسئولين والوجهاء مقفلة .. وتمت المفاوضة فطلب الشريف مغادرة الوالي لمكة .. ولمكانة عون عند السلطان فقد تم تكليف عثمان باشا والي حلب إلى جدة ليكون واليا على الحجاز
فعاد الشريف إلى مكة .. وبدأ الشريف يأخذ حصته من الإيرادات
وامتاز حكم عثمان باشا للحجاز بالمشاريع وخاصة المياه .
وفي عام 1904 و 1905 تقدمت فرقهم العسكرية إلى داخل الجزيرة العربية
وتوفي عون الرفيق عام 1905م بعد حكم استمر لمدة 23 عاما
وبترشيح الوالي العثماني أحمد راتب باشا تم تعيين الشريف علي بن عبد الله بن محمد بن عون وهو ابن أخ عون الرفيق .. وبذا كان الوالي يبدي قوة نفوذه لأنه هو من رشح الشريف ..
أعلنت تركيا عن دستورها في عام 1908م وتم عزل الوالي أحمد راتب وبالتالي شريف مكة علي بن عبد الله ..
فتم تعيين الشريف عبد الله باشا وهو أخ لعون الرفيق وكان كبيرا في السن ..
وقبل أن يغادر تركيا إلى مكة ذهب ليودع قبور أسرته في أميرغون على البسفور وجلس قرب قبر ابنه فأصيب بغيبوبة توفي بعدها بأيام ودفن هناك .
فتم تعيين الشريف حسين بن علي ..
وكان قد استدعي الشريف حسين بن علي إلى اسطنبول مع أسرته عام 1893م ومعه ابنائه علي وعبد الله وفيصل وعاشوا بها 15 عاما والتحقوا أثناءها بمدارس اسطنبول وعادوا مع والدهم بعد هذا التعيين .
وتم إنجاز خط سكة حديد الحجاز لتسهيل وصول الحجاج إلى مكة المكرمة ففي علم 1908م وصل الخط على يد المهندسين الألمان إلى المدينة المنورة فقط بسبب الانشغال بالحرب العالمية الأولى ..
قام الشريف حسين حال وصوله إلى مكة ومباشرة عمله بإرسال حملات إلى عسير و القصيم ثم تفرغ لتصحيح الأوضاع الشريفيه ..
في عام 1913م عقد اجتماع عربي في باريس حيث تم التصويت على الاستقلال العربي التام واتخاذ الإجراءات الكفيلة بذلك ..
في عام 1914 اجتمع الشريف عبد الله بن الحسين مع اللورد كيتشنر المندوب البريطاني في مصر وإن لم يطلع معه بنتيجة ولكن اللورد تفهم عمق الرغبة العربية في الاستقلال عن تركيا .
وبدأ الشريف يصله مبعوثين من جمعية الوحدة في العراق وجمعية الحرية في سوريا ويتبادل معهم الرسائل بخصوص الاستقلال .. والشريف ملم بالسياسة التركية فقد عاش هناك 18 عاما .
كما قام الشريف بإرسال ابنه فيصل إلى الشام لتدارس مشاريع الثورة والاستقلال وبعث ابنه علي إلى المدينة لجمع الرجال بهدوء وسرية وكلف ابنه عبد الله الاتصال بالبريطانيين ..
قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914م .. وكان لدي بعض البريطانيين انطباع بإمكانية وقوف العرب مع بريطانيا في الحرب .. ولهذا الغرض وصل مندوب بريطاني سري لعبد الله وعرض عليه وقوف العرب مع بريطانيا في الحرب فقام بعرض ذلك على والده فتشاور مع أبنائه وكان فيصل معارض لأنه يعرف أطماع فرنسا بالشام .. وبريطانيا بالعراق أما عبد الله فكان مؤيدا للثورة على الأتراك فيما لو دخلت الحرب ..
وكان الأتراك يطلبون من الحسين إعلان الجهاد المقدس وإحضار راية النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتجميع الرجال المقاتلين من الحجاز ..
وأحس الشريف بأن هناك مؤامرة من عثمان باشا الوالي التركي ضده لعدم قيامه بما طلب منه
فارسل ابنه فيصل لاسطنبول وفي طريقه التقى بالشام بالزعماء الوطنيين السوريين..
ومن ثم عرض على والده الوثيقة التي تشير إلى الاعتراف البريطاني باستقلال البلاد العربية
وكانت حدودها شبه الجزيرة العربية ما عدى عدن ومن الغرب البحر الأحمر والمتوسط فقط
وكان معه خاتم الريادة من ستة زعماء عرب وهو تقليد قديم .. وهي إشارة بتفويض الشريف حسين بكامل المسئولية ..
فجر يوم السبت 9 شعبان الموافق 10 حزيران 1916م تم تطويق الثكنات العسكرية التركية في مكة المكرمة وأطلق النار على مبنى الحميدية والذي توجد فيه المكاتب الحكومية ..
وهذا إعلان بالاستقلال عن الدولة العثمانية بعد سيطرة استمرت أربعمائة عام ..
في تشرين الثاني أعلن عبد الله بن الحسين (يمثل وزيرا للخارجية) عبر اللاسلكي تتويج والده الشريف حسين بن علي ملكا على البلاد العربية .. وأعلنت فرنسا وبريطانيا في كانون الثاني 1917م اعترافهما به ملكا على العرب ..
وقام أولاد الشريف الثلاثة بدورهم في هذه الثورة واستلام مدن الحجاز الأخرى المدينة وجدة والطائف ثم المدن الأخرى الصغيرة وبسقوط مدينة العقبة تكون المرحلة الأولى من هذه الثورة قد انتهت ..
وبدأت المرحلة الثانية بتحرير البلاد الأخرى بداية بسوريا ..
بعد سنتين قام الفرنسيون بطرد الشريف فيصل بن الحسين من سوريا .. واعترف الحلفاء بالشريف حسين ملكا على الحجاز .. ولا أخلاقيا من الحلفاء بدعمهم الصهيونية لأخذ فلسطين .
كان ابن سعود مستقلا بدولته بنجد وكذلك حكام الكويت ومسقط وعسير واليمن مستقلين عن الشريف حسين مما جعله محبطا ..
وزاد على ذلك عدم رد البريطانيين على احتجاجاته ورسائله بخصوص الوعود التي قطعوها على أنفسهم قبل وأثناء الحرب ..
وفي آب من عام 1924م كانت قوات الملك عبد العزيز بن سعود تجتاح الحجاز ..
طلب الشريف مساعدة البريطانيين ضد ابن سعود فوافقوا كوسطاء لأن الخلاف بينهما ديني ورفض ابن سعود هذا التوسط ..
وفي 13 تشرين الأول 1924 م دخلت مكة تحت حكم ابن سعود ..
وانتقل الشريف حسين لجدة .. وفي جدة تنازل عن الحكم لابنه علي ..
وغادر جدة على سفينة إلى العقبة ..
استمر الشريف على بالحكم على المدن الثلاث المحاصرة جدة والمدينة وينبع ..
وفي 22 كانون الثاني بعد قيامه بالتسليم غادر الشريف علي جدة على سفينة بريطانية إلى البصرة ومنها إلى بغداد ليقيم مع أخيه الملك فيصل بن الحسين ملك العراق ..
وبذا يكون الشريف علي بن الحسين هو آخر من حكم الحجاز من الأشراف ..
وتوفي الشريف حسين في عمان في 4 حزيران 1931م
وتوفي الشريف علي في بغداد في 14 شباط 1935م وخلف ابنا واحدا هو الأمير عبد الإله .
والشريف عبد الإله كان هو الوصي على عرش الملك فيصل بن غازي بن فيصل بن الحسين ملك العراق وتم قتلهما أثناء الثورة التي قام بها عبد الكريم قاسم في العراق .
وفي عهد الدولة السعودية عام 1925م عين الأمير (الملك) فيصل بن عبد العزيز نائبا للملك في الحجاز بمكة المكرمة .
ــ تمت ــ
(من عدة مراجع أهمها : تاريخ مكة لأحمد السباعي و حكام مكة تأليف جيرالد دي غوري .. ترجمة محمد شهاب )